فصل: حفر بئر للارتفاق لا للتّملّك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


شِجاج

التّعريف

1 - الشّجاج في اللّغة‏:‏ جمع شجّة، والشّجّة الجراحة في الوجه أو الرّأس، ولا تكون في غيرهما من الجسد‏.‏ والشّجج‏:‏ أثر الشّجّة في الجبين‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء للفظ الشّجاج عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الجراحة‏:‏

2 - الجراحة أعمّ من الشّجّة إذ الشّجّة ما كانت خاصّةً بالرّأس أو الوجه، أمّا الجراحة فتطلق على ما أصاب البدن من ضرب أو طعن في أيّ جزء سواء أكان في الرّأس أم في الوجه أم في غيرهما من أجزاء الجسم‏.‏

ب - الجناية على ما دون النّفس‏:‏

3 - الجناية على ما دون النّفس‏:‏ كلّ فعل محرّم وقع على الأطراف أو الأعضاء سواء أكان بالقطع، أم بالجرح، أم بإزالة المنافع ‏(‏ر‏:‏ جناية على ما دون النّفس‏)‏‏.‏

فالجناية على ما دون النّفس أعمّ من الشّجاج، لأنّ الشّجاج جناية على أجزاء خاصّة من الجسم وهي الرّأس والوجه‏.‏

أنواع الشّجاج

4 - تتنوّع الشّجاج بحسب ما تحدثه في الجسم وهي عشرة أنواع أو أحد عشر نوعاً مع اختلاف الفقهاء في تسمية بعض أنواع الشّجاج وفي ترتيبها، وبيان ذلك فيما يأتي‏:‏

أ - الحارصة‏:‏ وهي الّتي تحرص الجلد أي تخدشه ولا تخرج الدّم وتسمّى أيضاً الخارصة‏.‏ ب - الدّامعة‏:‏ وهي الّتي تظهر الدّم ولا تسيله كالدّمع في العين‏.‏

ج - الدّامية‏:‏ وهي الّتي يسيل منها الدّم، وقيل‏:‏ الدّامية هي الّتي تدمي دون أن يسيل منها دم والدّامعة هي الّتي يسيل منها الدّم‏.‏ ويسمّي الحنابلة الدّامية والدّامعة‏:‏ بازلةً فهي عندهم شجّة واحدة‏.‏

د - الباضعة‏:‏ وهي الّتي تشقّ اللّحم بعد الجلد شقّاً خفيفاً‏.‏

هـ - المتلاحمة‏:‏ وهي الّتي تغوص في اللّحم فتذهب فيه أكثر ممّا تذهب الباضعة ولا تبلغ السّمحاق‏.‏

و - السّمحاق‏:‏ وهي الّتي تصل إلى الجلدة الرّقيقة الّتي بين اللّحم والعظم، وهذه الجلدة تسمّى السّمحاق، فسمّيت الشّجّة باسمها لأنّها تصل إليها‏.‏

ز - الموضحة‏:‏ وهي الّتي توضح العظم وتكشفه‏.‏

ح - الهاشمة‏:‏ وهي الّتي تهشم العظم وتكسره‏.‏

ط - المنقّلة‏:‏ وهي الّتي تنقل العظم بعد كسره أي تحوّله من موضع إلى موضع‏.‏

ي - الآمّة‏:‏ وتسمّى أيضاً المأمومة وهي الّتي تصل إلى أمّ الدّماغ وهي الجلدة الرّقيقة الّتي تجمع الدّماغ وتسمّى خريطة الدّماغ‏.‏

11 - الدّامغة‏:‏ وهي الّتي تخرق الجلدة الّتي تجمع الدّماغ وتصل إلى الدّماغ‏.‏

ولا يعيش الإنسان معها غالباً، ولذلك يستبعدها محمّد من الحنفيّة من الشّجاج لأنّها تعتبر قتلاً للنّفس لا شجّاً‏.‏ كذلك استبعد محمّد الخارصة لأنّه لا يبقى لها أثر غالباً‏.‏ هذه هي الشّجاج عند جمهور الفقهاء‏.‏

والمالكيّة كالجمهور إلاّ أنّهم سمّوا السّمحاق ‏(‏الملطاة‏)‏ وعرّفوها‏:‏ بأنّها هي الّتي قربت للعظم ولم تصل إليه وأطلقوا السّمحاق على ما كشط الجلد وزاله عن محلّه‏.‏

وخالف المالكيّة الجمهور في ترتيب الشّجاج فهي عندهم‏:‏ الدّامية، فالخارصة، فالسّمحاق، فالباضعة، فالمتلاحمة، فالملطاة، فالموضحة، فالمنقّلة، فالآمّة، فالدّامغة‏.‏

ما يتعلّق بالشّجاج من أحكام

أوّلاً‏:‏ ما يجب في الشّجاج من قصاص أو أرش

5 - الجناية في الشّجاج‏:‏ إمّا أن تكون عمداً وإمّا أن تكون خطأً‏.‏

فإن كانت الجناية خطأً ففيها قبل الموضحة من الشّجاج حكومة عدل لأنّه ليس فيها أرش مقدّر، ولا يمكن إهدارها فتجب الحكومة، وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة في الصّحيح، وهو قول الشّافعيّة إن لم تعرف نسبة الشّجّة من الموضحة، فإن عرفت نسبة الشّجّة من الموضحة وجب قسط من أرشها بالنّسبة، وقيل يجب أكثر من الحكومة والقسط من الموضحة، لأنّه وجد سبب كلّ منهما فإن استويا وجب أحدهما‏.‏

والقول بوجوب القسط من أرش الموضحة إن عرفت نسبة الشّجّة منها هو قول الكرخيّ من الحنفيّة، وهو قول القاضي من الحنابلة، واستبعده ابن قدامة‏.‏

ومقابل الصّحيح عند الحنابلة ما ذكره ابن قدامة رواية أخرى عن أحمد أنّ في الدّامية بعيراً وفي الباضعة بعيرين وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة وفي السّمحاق أربعة أبعرة، لأنّ هذا يروى عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - وروي عن عليّ - رضي الله عنه - في السّمحاق مثل ذلك، رواه سعيد عنهما وعن عمر وعثمان - رضي الله تعالى عنهما - فيها نصف أرش الموضحة، قال ابن قدامة‏:‏ والصّحيح الأوّل ‏"‏ أي عدم التّقدير فيما قبل الموضحة ‏"‏ لأنّها جراحات لم يرد فيها توقيت في الشّرع فكان الواجب فيها حكومة كجراحات البدن، وروي عن مكحول قال‏:‏ «قضى النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الموضحة بخمس من الإبل ولم يقض فيما دونها»‏.‏

هذا بالنّسبة للخطأ في جناية الشّجّة الّتي قبل الموضحة، فأمّا الخطأ في الموضحة وما بعدها من الشّجاج ففيه أرش مقدّر، ففي الموضحة نصف عشر الدّية وهو خمس من الإبل في الحرّ المسلم لما ورد في حديث عمرو بن حزم‏:‏ «وفي الموضحة خمس من الإبل»‏.‏

وقد ورد تفصيل ديات الشّجاج في بحث ‏(‏ديات‏)‏ من الموسوعة الفقهيّة ‏(‏21 /83 ف /64‏)‏ وما بعدها‏.‏

6- وإن كانت الجناية في الشّجاج عمداً، فإن كانت موضحةً ففيها القصاص باتّفاق الفقهاء لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والجُرُوحَ قِصَاصٌ‏}‏ ولأنّه يمكن الاستيفاء فيها بغير حيف ولا زيادة، لأنّ لها حدّاً تنتهي إليه السّكّين وهو العظم، وإن كانت الشّجّة فوق الموضحة كالمنقّلة والآمّة فلا قصاص فيها، لأنّه لا يؤمن الزّيادة والنّقصان فيها فلا يوثق باستيفاء المثل من غير حيف بخلاف الموضحة، وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، وإذا امتنع القصاص وجب الدّية‏.‏

لكن قال الشّافعيّة والحنابلة إنّه يجوز للمجنيّ عليه جنايةً فوق الموضحة أن يقتصّ موضحةً، لأنّه يقتصّ بعض حقّه، ويقتصّ من محلّ جنايته، وإذا اقتصّ موضحةً كان له أرش ما زاد على الموضحة، لأنّه تعذّر القصاص فيه فانتقل إلى البدل وهذا عند الشّافعيّة وأبي حامد من الحنابلة، واختار أبو بكر من الحنابلة أنّه ليس له أرش ما زاد على الموضحة، لأنّه جرح واحد فلا يجمع فيه بين قصاص ودية‏.‏

وأمّا الشّجاج الّتي قبل الموضحة كالدّامية والباضعة والمتلاحمة، فعند المالكيّة وفي ظاهر الرّواية عند الحنفيّة، وفي قول عند الشّافعيّة أنّه يجب القصاص فيها لإمكان المساواة في القصاص بالوقوف على نسبة الشّجّة فيمكن استيفاء المثل‏.‏

واستثني من القول بالقصاص الحارصة عند الشّافعيّة، والسّمحاق على ما جاء في الشّرنبلاليّة من كتب الحنفيّة‏.‏

وعند الحنابلة وهو المذهب عند الشّافعيّة أنّه لا قصاص فيها دون الموضحة لعدم تيسّر ضبطها واستيفاء المثل دون حيف، ولأنّه لا تقدير فيها فيجب فيها حكومة عدل كالخطأ، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنّه لا قصاص في الشّجاج إلاّ في الموضحة والسّمحاق إن أمكن القصاص في السّمحاق‏.‏

وكذا روي عن النّخعيّ أنّه قال‏:‏ ما دون الموضحة خدوش، وفيها حكومة عدل وكذا روي عن عمر بن عبد العزيز وعن الشّعبيّ أنّه قال‏:‏ ما دون الموضحة فيه أجرة الطّبيب‏.‏

ثانياً‏:‏ وقت الحكم بالقصاص أو الدّية في الشّجاج

7 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة - إلى أنّ الحكم بالقصاص في جنايات الشّجاج لا يكون إلاّ بعد البرء لحديث جابر - رضي الله عنه -‏:‏ «أنّ رجلاً جرح رجلاً وأراد أن يستقيد، فنهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يستقاد من الجارح حتّى يبرأ المجروح»‏.‏ ولأنّ الجرح يحتمل السّراية فتصير قتلاً فيتبيّن أنّه استوفى غير حقّه وهو قول أكثر أهل العلم، منهم النّخعيّ والثّوريّ وإسحاق وأبو ثور وروي ذلك عن عطاء والحسن، قال ابن المنذر‏:‏ كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم يرى الانتظار بالجرح حتّى يبرأ‏.‏

لكن يتخرّج في قول عند الحنابلة أنّه يجوز الاقتصاص قبل البرء فإن اقتصّ المجنيّ عليه قبل برء جرحه فسراية الجاني والمجنيّ عليه هدر، لحديث عمرو بن العاص‏:‏ «أنّ رجلاً طعن رجلاً بقرن في ركبته فجاء إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أقدني، فقال‏:‏ حتّى تبرأ، ثمّ جاء إليه فقال‏:‏ أقدني فأقاده ثمّ جاء فقال‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ عرجت فقال‏:‏ قد نهيتك فعصيتني فأبعدك اللّه وبطل عرجك»‏.‏

والمذهب عند الشّافعيّة هو أن يكون القصاص على الفور والتّأخير أولى وهو المستحبّ لما ورد في الحديث السّابق‏.‏

8- وهذا بالنّسبة لوقت الحكم بالقصاص، أمّا بالنّسبة لوقت الحكم بالدّية فعند المالكيّة والحنابلة وفي قول للشّافعيّة‏:‏ أنّ الحكم بالدّية لا يكون إلاّ بعد البرء أيضاً كالقصاص، لأنّ الأرش لا يستقرّ قبل الاندمال، لأنّه قد يسري إلى النّفس ويدخل في دية النّفس‏.‏

وعند الحنفيّة وهو القول الثّاني للشّافعيّة أنّه يجوز أخذ الأرش قبل الاندمال كاستيفاء القصاص قبل الاندمال، لأنّ الجناية إن اقتصرت فظاهر وإن سرت فقد أخذ بعض الدّية فيأخذ الباقي‏.‏

9- وإن سرت الجراحة فأدّت إلى الموت فإن كانت الجناية عمداً ففيها القصاص في النّفس لأنّ الجرح لمّا سرى بطل حكم ما دون النّفس، وتبيّن أنّ الجرح وقع قتلاً من حين وجوده، ولوليّ الدّم أن يقتله، وليس له أن يفعل به مثل ما فعل وعند الشّافعيّة يجوز للوليّ أن يفعل به مثل ما فعل فإن كانت الجناية موضحةً فللوليّ أن يوضح رأس الجاني لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والجُرُوحَ قِصَاصٌ‏}‏ فإن مات فقد استوفى حقّه، وإن لم يمت قتله الوليّ بالسّيف‏.‏

10 - وإن كانت الشّجّة خطأً فسرت إلى النّفس ففيها دية النّفس‏.‏

وإن برئت الشّجّة، فإن كانت عمداً فالقصاص فيما فيه القصاص، والأرش المقدّر أو حكومة العدل فيما لا قصاص فيه وإن كانت الشّجّة خطأً وبرئت على شين وعيب فيها، ففيها المقدّر من الأرش أو الحكومة على ما سبق بيانه، وإن برئت على غير شين بأن التحمت ولم يبق لها أثر فعند المالكيّة، والحنابلة إن كانت الشّجاج ممّا قرّر الشّارع لها أرشاً مقدّراً كالموضحة وما فوقها ففيها ما قدّره الشّارع من الدّيات، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بيّن هذه الدّيات في كتابه لعمرو بن حزم ولم يفصّل‏.‏

أمّا ما قبل الموضحة وهي الشّجاج الّتي ليس فيها شيء مقدّر إذا برئت على غير شين فلا شيء فيها، وذهب الشّافعيّة في الأصحّ إلى أنّ فيها حكومة عدل وذلك بأن يعتبر أقرب نقص إلى الاندمال، وقيل‏:‏ يقدّر القاضي النّقص لئلاّ تخلو الجناية عن غرم التّعزير‏.‏

أمّا عند الحنفيّة فقد قال أبو حنيفة‏:‏ إن برئت الشّجاج على غير شين بأن التحمت ولم يبق لها أثر فلا شيء فيها، لأنّ الأرش إنّما يجب بالشّين الّذي يلحق المشجوج بالأثر، وقد زال فسقط الأرش‏.‏

وقال أبو يوسف‏:‏ عليه حكومة الألم، لأنّ الشّجّة قد تحقّقت ولا سبيل إلى إهدارها وقد تعذّر إيجاب أرش الشّجّة فيجب أرش الألم، وقال محمّد‏:‏ عليه أجرة الطّبيب بسبب هذه الشّجّة، فكأنّه أتلف عليه هذا القدر من المال‏.‏

وصرّح الحنابلة وهو قول عند الشّافعيّة بأنّه يجب التّعزير فيما لو برئت الجناية ولم يبق أثر‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في مصطلحات ‏(‏الجناية على ما دون النّفس - تداخل - ديات‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ كيفيّة استيفاء القصاص في الشّجاج

11 - لاستيفاء القصاص في الشّجّة لا بدّ من معرفة قدر الجرح بالمساحة طولاً وعرضاً، فلو كانت الشّجّة موضحةً ‏"‏ وهي الشّجّة الّتي اتّفق الفقهاء على وجوب القصاص بها في العمد ‏"‏ فإنّه يعرف قدرها بالمساحة طولاً وعرضاً دون النّظر إلى كثافة اللّحم، لأنّ حدّ الموضحة العظم، والنّاس يختلفون في قلّة اللّحم وكثرته‏.‏

وإن أوضح الجاني كلّ الرّأس، ورأس الجاني أكبر من رأس المجنيّ عليه كان للمشجوج أن يقتصّ قدر شجّته من أيّ جانب ولا يستوعب رأس الشّاجّ لأنّ في الاستيعاب استيفاء الزّيادة وفيه زيادة شين وهذا لا يجوز - لكن عند الحنفيّة يخيّر المشجوج بين هذا، أي بين القصاص من الشّاجّ حتّى يبلغ مقدار شجّته في الطّول ثمّ يكفّ، وبين العدول إلى الأرش، لأنّه وجد حقّه ناقصاً، لأنّ الشّجّة الأولى وقعت مستوعبةً، والثّانية لا يمكن استيعابها فيثبت له الخيار، فإن شاء استوفى حقّه ناقصاً تشفّياً للصّدر، وإن شاء عدل إلى الأرش‏.‏

شَجَر

التّعريف

1 - جاء في القاموس‏:‏ الشّجر من النّبات ما قام على ساق أو ما سما بنفسه دقّ أو جلّ قاوم الشّتاء أو عجز عنه‏.‏ وفي المصباح الشّجر النّبات هو ما له ساق صلب يقوم به، كالنّخل وغيره، والواحدة شجرة، وتجمع أيضاً على أشجار وشجرات‏.‏

واستعمله الفقهاء فيما له ساق، أو هو كلّ ما له ساق ولا يقطع أصله‏.‏

وعرّفه الأبيّ المالكيّ في المساقاة بما كان ذا أصل ثابت تجنى ثمرته وتبقى أصوله‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الزّرع والنّبات‏:‏

2 - النّبات‏:‏ اسم لما ينبت من الأرض،والزّرع ما استنبت من الأرض بالبذر، قال بعضهم‏:‏ ولا يسمّى زرعاً إلاّ وهو غضّ طريّ‏.‏ فالنّبات أعمّ من الزّرع والشّجر‏.‏

ب - الكلأ‏:‏

الكلأ‏:‏ العشب رطباً كان أو يابساً‏.‏ قال ابن عابدين‏:‏ هو ما ينبسط وينشر لا ساق له، كالإذخر ونحوه، والشّجر ما له ساق‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالشّجر

أوّلاً‏:‏ قطع أشجار الحرم

3 - اتّفق الفقهاء على تحريم قطع أو قلع نبات الحرم شجراً كان أو غيره، إذا كان ممّا لا يستنبته النّاس عادةً وهو رطب‏.‏ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها»‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏حرم‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ دخول الشّجر في بيع الأرض

4 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه تدخل الأشجار في بيع الأرض ولو بلا ذكر، مثمرةً كانت أو لا، صغيرةً كانت أو كبيرةً، وهذا إذا كان رطباً ثابتاً، لا مقلوعاً ولا يابساً لأنّ المقلوع واليابس يشبهان متاع الدّار، ومتاع الدّار لا يدخل في بيع الدّار إلاّ بنصّ، وإلى هذا ذهب المالكيّة أيضاً إن لم يكن عرف بخلافه‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ تدخل الشّجرة والبناء في بيع الأرض إذا باعها بحقوقها‏.‏

وإن لم يقل‏:‏ بحقوقها ففي دخولها في بيع الأرض عندهم وجهان‏.‏

أمّا إذا قال‏:‏ بعتك هذا البستان دخل فيه الشّجر قطعاً، لأنّ البستان اسم للأرض والشّجر والحائط‏.‏ ولذلك لا تسمّى الأرض المكشوفة بستاناً‏.‏

وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع ف / 37‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ الشّفعة في الشّجر

5 - يرى جمهور الفقهاء الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‏"‏ أنّه لا شفعة في البناء والشّجر إذا بيعا بلا عرصة‏.‏ ولو بيعت العرصة المملوكة مع ما عليها من الأشجار والأبنية تجري الشّفعة في الأشجار والأبنية أيضاً تبعاً للعرصة‏.‏ أي تثبت في البناء والشّجر إذا بيعا مع ما حولهما من الأرض، فلو باع أشجاراً ومغارسها فقط فلا شفعة فيها‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ تثبت الشّفعة في عقار وهو الأرض وما اتّصل بها من بناء وشجر، ولو كان العقار شجراً أو بناءً مملوكاً‏.‏ فالشّفعة عندهم فيما لم ينقسم بين الشّركاء من الدّور والأرضين والنّخل والشّجر وما يتّصل بذلك من بناء وثمرة، إذا كان قابلاً للقسمة ولا شفعة فيما لا يقبل القسمة‏.‏ فإذا كانت نخلة بين رجلين فباع أحدهما حصّته منها فلا شفعة لصاحبه فيها، كما نقل عن الإمام مالك‏.‏ ولتفصيل الموضوع ينظر مصطلح ‏(‏شفعة‏)‏‏.‏

رابعاً‏:‏ حريم الشّجر

6 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ حريم الشّجر في الأرض الموات خمسة أذرع من كلّ جهة، حتّى لا يملك غيره أن يغرس شجراً في حريمه،لأنّه يحتاج إلى الحريم لجذاذ ثمره، وللوضع فيه‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ الاعتبار للحاجة لا للتّقدير، لأنّه يختلف الحال بكبير الشّجرة وصغيرها‏.‏ وعند المالكيّة يكون الحريم لكلّ شجرة بقدر مصلحتها، ويسأل عن كلّ شجرة أهل العلم‏.‏ ومثله ما ورد في كلام الشّافعيّة من أنّه يرجع في ذلك إلى أهل العرف ‏(‏أهل الاختصاص‏)‏‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ حريم الشّجر ما تمدّ إليه أغصانها حواليها، وفي النّخلة مدّ جريدها‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏حريم ف /10‏)‏

خامساً‏:‏ المساقاة في الشّجر

7 - المساقاة‏:‏ هي أن يدفع شخص شجرًا إلى آخر ليقوم بسقيه وعمل سائر ما يحتاج إليه بجزء معلوم له من ثمره‏.‏ فهي عقد على خدمة شجر بجزء من غلّته‏.‏

وهي جائزة عند جمهور الفقهاء ‏"‏ المالكيّة والحنابلة، وأبي يوسف ومحمّد من الحنفيّة وهو القول القديم للشّافعيّ ‏"‏ في كلّ شجر مثمر، لما روى عبد اللّه بن عمر - رضي الله عنهما - قال‏:‏ «عامل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أهل خيبر نخلها وأرضها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع»‏.‏

ولأنّ الحاجة داعية إليها، لأنّ مالك الأشجار قد لا يحسن تعهّدها أو لا يتفرّغ له، ومن يحسن التّعهّد ويتفرّغ قد لا يملك الأشجار، فيحتاج ذلك إلى الاستعمال، وهذا للعمل‏.‏ والمراد بالشّجر في باب المساقاة عند الفقهاء أن يكون له ساق وأن يكون مثمراً، ‏"‏ وإن لم يشترط ذلك الشّافعيّة في النّخل ‏"‏ وما لا ساق له كالبطّيخ ونحوه أو لا يكون مثمراً كالتّوت الذّكر ونحوه لا تجوز فيه المساقاة‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ المساقاة عقد فاسد، لأنّه استئجار بأجرة مجهولة معدومة واستئجار ببعض ما يحصل من عمله، كقفيز الطّحّان، وذلك مفسد‏.‏

قال الموصليّ‏:‏ والفتوى على قولهما، أي بالجواز، لحاجة النّاس، وقد تعامل بها السّلف‏.‏ وقال الشّافعيّة في الجديد‏:‏ لا تصحّ المساقاة إلاّ في النّخل، لأنّها رخصة فتختصّ بما ورد فيه النّصّ، ويشترط فيه أن يكون مغروساً معيّناً مرئيّاً‏.‏ ومثل النّخل العنب بجامع وجوب الزّكاة فيهما‏.‏

ولبيان سائر شروط المساقاة وأحكامها ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏مساقاة‏)‏‏.‏

التّخلّي تحت الشّجر

8 - يكره عند جمهور الفقهاء ‏"‏ الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ‏"‏ التّخلّي تحت شجرة مثمرة‏.‏ قال الشّافعيّة‏:‏ ولو مباحاً وفي غير وقت الثّمرة، صيانةً لها عن التّلوّث عند الوقوع فتعافها الأنفس، ولم يقولوا بالتّحريم لأنّ التّنجّس غير متيقّن‏.‏

وزاد الحنفيّة والمالكيّة‏:‏ أو في ظلّ ينتفع بالجلوس فيه أو ما من شأنه الاستظلال به‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يحرم التّبوّل أو التّغوّط في ظلّ نافع وتحت شجرة عليها ثمرة مقصودة مأكولة، لأنّه يفسدها وتعافها الأنفس‏.‏ فأمّا في غير حال الثّمرة فلا بأس‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏قضاء الحاجة‏)‏‏.‏

شحاذة

انظر‏:‏ سؤال‏.‏

شَحم

التّعريف اللّغويّ‏:‏

1 - الشّحم في الحيوان‏:‏ هو جوهر السّمن، والعرب تسمّي سنام البعير شحماً وبياض البطن شحماً‏.‏ والجمع شحوم، ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

والشّحم عند أكثر الفقهاء‏:‏ هو الّذي يكون في الجوف من شحم الكلى أو غيره‏.‏

ويقول البعض‏:‏ الشّحم كلّ ما يذوب بالنّار ممّا في الحيوان‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الدّهن‏:‏

2 - الدّهن‏:‏ ما يدهن به من زيت وغيره، وجمعه دهان‏.‏

والدّهن أعمّ من الشّحم لأنّه يكون من الحيوان والنّبات، والشّحم لا يكون إلاّ من الحيوان‏.‏

ب - الدّسم‏:‏

3 - الدّسم‏:‏ هو الودك، ويتناول الألية والسّنام وشحم البطن والظّهر والجنب كما يتناول الدّهن المأكول‏.‏ فهو أعمّ من الشّحم‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالشّحم

4 - شحم الحيوان المذكّى حلال من أيّ مكان أخذ‏.‏ وأمّا الحيوانات غير المأكولة كالخنزير فشحمها حرام كغيره‏.‏ وكذلك يحرم أكل شحوم الميتة فلا تؤثّر التّذكية فيه‏.‏

أمّا الانتفاع بشحم الميتة في غير الأكل فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جوازه في شيء أصلاً لحديث جابر بن عبد اللّه «إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، قيل‏:‏ يا رسول اللّه أرأيت شحوم الميتة فإنّه يطلى بها السّفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها النّاس‏؟‏ قال‏:‏ لا هو حرام»‏.‏

ويرى الشّافعيّة‏:‏ جواز الانتفاع بشحم الميتة في طلي السّفن والاستصباح بها وغير ذلك ممّا ليس بأكل ولا في بدن الآدميّ‏.‏

وبهذا قال أيضاً عطاء بن أبي رباح ومحمّد بن جرير الطّبريّ ورأوا أنّ الضّمير في «هو حرام» يرجع إلى البيع لا إلى مطلق الانتفاع‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ استصباح وميتة‏)‏‏.‏

شحوم ذبائح أهل الكتاب

5 - اختلف الفقهاء في شحوم ذبائح أهل الكتاب المحرّمة عليهم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏

فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة في المذهب ومالك في قول‏:‏ إلى حلّ هذه الشّحوم ويقولون‏:‏ إنّها حلال ليست مكروهةً‏.‏

واستدلّوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ‏}‏، فقد أحلّ اللّه تعالى طعام أهل الكتاب وهو ذبائحهم لم يستثن منها شيئاً لا شحماً ولا غيره فدلّ على جواز أكل جميع الشّحوم من ذبائحهم وذبائح المسلمين‏.‏

وبحديث عبد اللّه بن مغفّل «أنّ جراباً من شحم يوم خيبر دلّي من الحصن فأخذه عبد اللّه بن مغفّل وقال‏:‏ واللّه لا أعطي أحداً منه شيئاً‏.‏ فضحك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأقرّه على ذلك»‏.‏

كما استدلّوا بما ثبت «أنّ يهوديّةً أهدت لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم شاةً فأكل منها ولم يحرّم شحم بطنها ولا غيره»‏.‏

وذهب ابن القاسم وأشهب وأبو الحسن التّميميّ والقاضي من الحنابلة - وهو مرويّ عن مالك وحكاه التّميميّ عن الضّحّاك ومجاهد وسوّار - إلى تحريم شحوم ذبائح أهل الكتاب، لأنّ اللّه سبحانه وتعالى أباح لنا طعام الّذين أوتوا الكتاب، والشّحوم المحرّمة عليهم ليست من طعامهم فلا تكون لنا مباحةً‏.‏

وحكى القاضي أبو محمّد عن مالك كراهة شحوم اليهود المحرّمة عليهم وهي عنده مرتبة بين الحظر والإباحة‏.‏

شُذوذ

التّعريف

1 - الشّذوذ في اللّغة مصدر شذّ يشذّ شذوذاً إذا انفرد عن غيره‏.‏

والشّاذّ‏:‏ المنفرد عن غيره، أو الخارج عن الجماعة، ومن النّاس خلاف السّويّ، وعن اللّيث‏:‏ شذّ الرّجل‏:‏ إذا انفرد عن أصحابه‏.‏ وكذا كلّ شيء منفرد فهو شاذّ‏.‏

والشّاذّ في اصطلاح الحنفيّة والمالكيّة هو ما كان مقابلاً للمشهور أو الرّاجح أو الصّحيح، أي‏:‏ أنّه الرّأي المرجوح أو الضّعيف أو الغريب‏.‏ جاء في حاشية ابن عابدين‏:‏ الأصحّ مقابل للصّحيح، والصّحيح مقابل للضّعيف، لكن في حواشي الأشباه لبيريّ‏:‏ ينبغي أن يقيّد ذلك بالغالب، لأنّا وجدنا مقابل الأصحّ الرّواية الشّاذّة كما في شرح المجمع‏.‏

وفي فتح العليّ المالك‏:‏ خروج المقلّد من العمل بالمشهور إلى العمل بالشّاذّ الّذي فيه رخصة من غير تتبّع للرّخص، صحيح عند كلّ من قال بعدم لزوم تقليد أرجح‏.‏

ولم نجد تعريفاً له عند الشّافعيّة، ولم يعبّر الحنابلة فيما نعلم بالشّاذّ، فيشمله كلامهم عن الضّعيف ومنعهم العمل به دون ترجيح‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ قد يجزم نحو عشرة من المصنّفين بشيء وهو شاذّ بالنّسبة إلى الرّاجح في المذهب ومخالف لما عليه الجمهور‏.‏

أمّا الشّاذّ عند المحدّثين فقد اختلفوا فيه فقال الشّافعيّ‏:‏ هو أن يروي الثّقة حديثاً يخالف ما روى النّاس، وليس من ذلك أن يروي ما لم يرو غيره، وحكي ذلك عن جماعة من الحجازيّين‏.‏

والّذي عليه حفّاظ الحديث أنّ الشّاذّ ما ليس له إلاّ إسناد واحد، يشذّ به ثقة أو غير ثقة ويتوقّف فيما شذّ به الثّقة ولا يحتجّ به ويردّ ما شذّ به غير الثّقة‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ‏.‏

ما يتعلّق بالشّاذّ من أحكام

2 - العمل أو الفتيا أو القضاء بالقول الشّاذّ يختلف بالنّسبة للمجتهد والمقلّد والعامّيّ‏.‏

أمّا المجتهد‏:‏ فإنّه لا يجوز له التّقليد في الجملة‏.‏ وإنّما عليه النّظر في الأدلّة والتّرجيح بينها، وسواء في ذلك العمل في حقّ نفسه أو في الإفتاء والقضاء‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏اجتهاد - تقليد - قضاء - فتوى‏)‏‏.‏

3 - هذا بالنّسبة للمجتهد المطلق، أمّا المجتهد في المذهب فعليه النّظر والاجتهاد فيما ذهب إليه إمام المذهب وأصحابه فيعمل بما يراه أرجح أو أصحّ في نظره لقوّة دليله، ولو كان هذا الرّأي شاذّاً مرجوعاً عنه‏.‏ ومن ذلك مثلاً أنّ للشّافعيّ قولين، القديم والجديد، والجديد هو الصّحيح وعليه العمل، لأنّ القديم إذا خالفه الجديد مرجوع عنه إلاّ ما استثني من القديم‏.‏ وقد أفتى بعض فقهاء الشّافعيّة بالقديم في بعض المسائل، فلا يعتبر هذا مذهباً للشّافعيّ وإنّما يحمل على أنّ الّذين أفتوا بالقديم أدّاهم اجتهادهم إليه لظهور دليله عندهم، قال أبو عمرو بن الصّلاح‏:‏ فيكون اختيار أحدهم للقديم فيها من قبيل اختياره مذهب غير الشّافعيّ إذا أدّاه اجتهاده إليه، فإنّه إن كان ذا اجتهاد، اتّبع اجتهاده، وإن كان اجتهاداً مقيّداً مشوباً بتقليد، نقل ذلك الشّوب من التّقليد عن ذلك الإمام، وإن أفتى بيّن ذلك في فتواه، قال النّوويّ‏:‏ من هو أهل للتّخريج والاجتهاد في المذهب يلزمه اتّباع ما اقتضاه الدّليل في العمل والفتيا، وأن يبيّن في فتواه أنّ هذا رأيه وأنّ مذهب الشّافعيّ كذا وهو ما نصّ عليه في الجديد‏.‏ وكذلك كان أصحاب أبي حنيفة يأخذون بما قوي دليله في نظرهم ولو كان مرجوعاً عنه، قال أبو يوسف‏:‏ ما قلت قولاً خالفت فيه أبا حنيفة إلاّ قولاً قد كان قاله، وروي عن زفر أنّه قال‏:‏ ما خالفت أبا حنيفة في شيء إلاّ قد قاله ثمّ رجع عنه، قال ابن عابدين‏:‏ فهذا إشارة إلى أنّهم ما سلكوا طريق الخلاف بل قالوا ما قالوا عن اجتهاد ورأي‏.‏

وقد ذكر الشّيخ عليش‏:‏ أنّ فائدة تدوين الأئمّة للأقوال الّتي رجع عنها إمام المذهب أنّه يصحّ أن يذهب إليها المجتهد أو من بلغ رتبة التّرجيح، وقد وجد ذلك لغير واحد من شيوخ أهل المذهب، وفعله ابن القاسم في ثلاثة عشر موضعاً من الكتاب، وتلقّاه بالقبول أشهب وسحنون‏.‏

4 - وأمّا المقلّد لمذهب من المذاهب، فإنّ الأصل المتّفق عليه في الجملة أنّ العمل أو الإفتاء أو القضاء إنّما يكون بالقول المشهور أو الرّاجح أو الصّحيح في المذهب دون القول الشّاذّ‏.‏

ذَكَرَ الشّيخ عليش الخلاف بالنّسبة للمقلّد - وهو من لم يبلغ درجة الاجتهاد والعامّيّ - هل يجب عليهما التزام مذهب معيّن أو لا‏؟‏ وهل يجوز الخروج منه أو لا‏؟‏ وهل يجوز له أن يقلّد المفضول أو يجب عليه البحث عن الأرجح علماً‏؟‏ قال الشّيخ عليش بعد ذلك‏:‏ إذا عرفت هذا استبان لك أنّ خروج المقلّد من العمل بالمشهور إلى العمل بالشّاذّ الّذي فيه رخصة من غير تتبّع للرّخص صحيح عند كلّ من قال بعدم لزوم تقليد أرجح‏.‏

وللفقهاء تفصيلات في ذلك ينظر مصطلح ‏(‏اجتهاد وتقليد‏)‏‏.‏

وقال ابن أبي زيد لا يصحّ تخيير المقلّد بل يتعيّن القول الرّاجح، فإن تأهّل للتّرجيح وجب الأرجح برجحان القائل، بناءً على أنّ المصيب في الاجتهاديّات واحد، وأنّ تقليد المفضول مع وجود الفاضل ممنوع وهذا القول تعضّده القواعد الأصوليّة، وعليه بنى حجّة الإسلام الغزاليّ والإمام المازريّ، وهذا هو الحقّ والتّحقيق، ومن سلك سبيلاً غير ذلك في القضاء والفتيا، فقد اتّبع هواه وهلك في بيّنات الطّريق،فالعمل بالرّاجح متعيّن عند كلّ عالم متمكّن، وإذا اطّلع المقلّد على خلاف في مسألة تخصّه وفيها قول راجح بشهرة أو عمل، أو غيرهما تعيّن عليه العمل على الرّاجح ولا يفتي بغيره إلاّ لضرورة فادحة والتزام مفسدة واضحة‏.‏

وقال أبو إسحاق الشّاطبيّ‏:‏ المقلّد أو المفتي لا يحلّ له أن يفتي إلاّ بالمشهور‏.‏

وقال أبو الفضل قاسم العقبانيّ‏:‏ إن حكم القاضي بالشّاذّ ينظر في الحكم الّذي عدل به عن المشهور إلى الشّاذّ فإن حكم به لمظنّة أنّه المشهور نقض حكمه، وإن حكم به مع العلم بأنّه الشّاذّ إلاّ أنّه ترجّح عنده فإن كان من أهل النّظر ممّن يدرك الرّاجح والمرجوح مضى حكمه، وإن لم يكن من العلم بهذه المنزلة زجر عن موافقة مثل هذا أي‏:‏ ولم يمض حكمه‏.‏

وقد كان المازريّ - وهو في طبقة المجتهدين - لا يخرج عن الفتوى بالمشهور ولا يرضى حمل النّاس على خلافه - لكنّه أفتى مرّةً بالشّاذّ وذلك في رواية الدّاوديّ عن مالك مع اعترافه بضعفها وشذوذها في مسألة استحقاق الأرض من يد الغاصب بعد الزّراعة، وخروج الإبّان وخالف المعهود من عادته من الوقوف مع المشهور وما عليه الجماعة والجمهور للتّشديد على الظّلمة والمتعدّين من أهل البغي والفساد، وهو مألوف في الشّرع وقواعد المذهب‏.‏

5- وقال السّبكيّ‏:‏ إذا كان للحاكم أهليّة التّرجيح ورجّح قولاً منقولاً بدليل جيّد، جاز ونفذ حكمه وإن كان مرجوحاً عند أكثر الأصحاب ما لم يخرج عن مذهبه، وليس له أن يحكم بالشّاذّ الغريب في مذهبه - أي على أنّه من المذهب - وإن ترجّح عنده، لأنّه كالخارج عن مذهبه، فلو حكم بقول خارج عن مذهبه، وقد ظهر له رجحانه، فإن لم يشرط عليه الإمام في التّولية التزام مذهب جاز، وإن شرط عليه باللّفظ أو العرف لم يصحّ، لأنّ التّولية لم تشمله‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لا يجوز لمن انتسب لمذهب إمام معيّن أن يتخيّر في مسألة ذات قولين لإمامه أو وجهين لأحد من أصحابه فيفتي أو يحكم بحسب ما يختاره منهما، بل عليه أن ينظر أيّهما أقرب من الأدلّة أو قواعد مذهبه فيعمل به لقوّته‏.‏

شِراء

انظر‏:‏ بيع‏.‏

شُرب

التّعريف

1 - الشُّرب - بالضّمّ - لغةً‏:‏ تناول كلّ مائع ماءً كان أو غيره‏.‏

ويستعمل الفقهاء هذا اللّفظ بنفس المعنى اللّغويّ‏.‏

الحكم التّكليفيّ

2 - الأصل جواز شرب المشروبات كلّها إلاّ ما قامت دلالة تحريمه‏.‏

وإذا كان ترك الشّرب يتلف نفس الإنسان أو بعض أعضائه أو يضعفه عن أداء الواجبات فواجب عليه أن يشرب ما يزول معه خوف الضّرر‏.‏

وقال القرطبيّ‏:‏ أمّا ما تدعو الحاجة إليه وهو ما سكّن الظّمأ فمندوب إليه عقلاً وشرعاً لما فيه من حفظ النّفس وحراسة الحواسّ‏.‏

وقال الجصّاص‏:‏ أمّا الحال الّتي لا يخاف الإنسان ضررًا فيها بترك الشّرب فالشّرب مباح‏.‏ وقد اختلف في شرب الزّائد على قدر الحاجة على قولين‏:‏ فقيل حرام‏.‏ وقيل مكروه‏.‏

قال ابن العربيّ‏:‏ وهو الصّحيح‏.‏

آداب الشّرب

أ - التّسمية على الشّرب‏:‏

3 - تستحبّ التّسمية في أوّل الشّرب‏.‏

قال صاحب غاية المنتهى‏:‏ يسمّي الشّارب عند كلّ ابتداء ويحمد عند كلّ قطع‏.‏

وقال العلماء‏:‏ يستحبّ أن يجهر بالتّسمية ليسمع غيره وينبّهه عليها‏.‏ ولو ترك التّسمية في أوّل الشّرب عامداً أو ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً أو عاجزاً لعارض آخر، ثمّ تمكّن أثناء شربه أو بعده منها، يستحبّ أن يسمّي ويقول‏:‏ ‏"‏ بسم اللّه أوّله وآخره ‏"‏ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا أكل أحدكم فليذكر اسم اللّه فإن نسي أن يذكر اللّه في أوّله فليقل بسم اللّه أوّله وآخره»‏.‏

وتحصل التّسمية بقوله‏:‏ ‏"‏ بسم اللّه ‏"‏ فإن قال‏:‏ ‏"‏ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ‏"‏ كان حسناً‏.‏

ب - الشّرب باليمين‏:‏

4 - يستحبّ الشّرب باليمين، ويكره الشّرب بالشّمال إذا لم يكن عذر لخبر «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإنّ الشّيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله»‏.‏ فإن كان عذر يمنع الشّرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك فلا كراهة في الشّمال‏.‏

ج - الشّرب ثلاثة أنفاس‏:‏

5 - السّنّة‏:‏ أن يشرب الماء في ثلاثة أنفاس، فقد ورد من حديث أنس - رضي الله عنه‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يتنفّس في الإناء ثلاثاً» وفي لفظ «كان يتنفّس ثلاثاً، ويقول‏:‏ إنّه أروى وأبرأ وأمرأ»‏.‏ ومعنى أروى أي‏:‏ أكثر ريّاً، وأبرأ أي‏:‏ أسلم من مرض أو أذىً يحصل بسبب الشّرب في نفس واحد، وأمرأ أي أكمل انسياغاً‏.‏

قال الشّوكانيّ في تعليقه على الحديث‏:‏ هذه الأمور الثّلاثة إنّما تحصل بأن يشرب ثلاثة أنفاس خارج القدح‏.‏

ثمّ اختلف العلماء في الشّرب بنفس واحد فروي عن ابن المسيّب وعطاء بن أبي رباح أنّهما أجازاه بنفس واحد‏.‏ وروي عن ابن عبّاس وطاوس وعكرمة كراهة الشّرب بنفس واحد، وقال ابن عبّاس هو شرب الشّيطان‏.‏

د - عدم التّنفّس في الإناء‏:‏

6 - يندب إبعاد القدح حين التّنفّس حالة الشّرب، ويكره التّنفّس في الإناء كما يكره النّفخ فيه، لحديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما - «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفّس في الإناء أو ينفخ فيه»‏.‏

قال أبو الوليد الباجيّ‏:‏ في حكمة النّهي عن النّفخ في الإناء‏:‏ نهى صلى الله عليه وسلم عن النّفخ في الشّراب حملاً لأمّته على مكارم الأخلاق، لأنّ النّافخ في آنية الماء يجوز أن يقع من ريقه فيها شيء مع النّفخ فيتقذّره النّاظر ويفسده عليه‏.‏

وقال الشّوكانيّ‏:‏ النّهي عن التّنفّس في ‏"‏ الإناء ‏"‏ الّذي يشرب منه لئلاّ يخرج من الفم بزاق يستقذره من شرب بعده منه، أو تحصل فيه رائحة كريهة تتعلّق بالماء أو بالإناء‏.‏

هـ – عدم الشّرب قائماً‏:‏

7 - كان من هديه صلى الله عليه وسلم الشّرب قاعداً، هذا كان هديه المعتاد، وصحّ عنه «أنّه نهى عن الشّرب قائماً، وصحّ عنه أنّه أمر الّذي شرب قائماً أن يستقئ، وصحّ عنه أنّه شرب قائماً»‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ الصّواب أنّ النّهي محمول على كراهة التّنزيه‏.‏ أمّا شربه صلى الله عليه وسلم قائماً فبيان للجواز، فلا إشكال ولا تعارض‏.‏ وهذا الّذي ذكرناه يتعيّن المصير إليه‏.‏

ثمّ قال‏:‏ فإن قيل‏:‏ كيف يكون الشّرب قائماً مكروهاً وقد فعله النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فالجواب أنّ فعله صلى الله عليه وسلم إذا كان بياناً للجواز لا يكون مكروهاً بل البيان واجب عليه صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقد ثبت «أنّه صلى الله عليه وسلم توضّأ مرّةً مرّةً، وطاف على بعير»، مع أنّ الإجماع على أنّ الوضوء ثلاثاً ثلاثاً والطّواف ماشياً أكمل‏.‏

ونظائر هذا غير منحصرة، فكان صلى الله عليه وسلم ينبّه على جواز الشّيء مرّةً أو مرّات ويواظب على الأفضل منه‏.‏ وهكذا كان أكثر وضوئه صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثلاثاً والطّواف ماشياً وأكثر شربه جالساً‏.‏

وقال النّوويّ في الرّوضة تبعاً للرّافعيّ‏:‏ لا يكره الشّرب قائماً‏.‏ وأضاف‏:‏ والمختار أنّ الشّرب قائماً بلا عذر خلاف الأولى للأحاديث الصّريحة بالنّهي عنه في صحيح مسلم‏.‏ وقد ضعّف بعض المالكيّة أحاديث النّهي وقيل‏:‏ إنّها منسوخة‏.‏

و - مصّ الماء‏:‏

8 - يندب مصّ الماء ويكره عبّه لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا شرب أحدكم فليمصّ مصّاً ولا يعبّ عبّاً فإنّ الكباد من العبّ»‏.‏ والكباد وجع الكبد، ومثل الماء كلّ مائع كاللّبن‏.‏ وقال الرّحيبانيّ‏:‏ يعبّ اللّبن لأنّه طعام‏.‏

ز - تقليل الشّراب‏:‏

9 - يطلب تخفيف المعدة بتقليل الطّعام والشّراب على قدر لا يترتّب عليه ضرر ولا كسل عن العبادة‏.‏

قال ابن مفلح‏:‏ اعلم أنّه متى بالغ في تقليل الغذاء أو الشّراب فأضرّ ببدنه أو شيء منه، أو قصّر عن فعل واجب لحقّ اللّه أو لحقّ آدميّ، كالتّكسّب لمن يلزمه مؤنته، فإنّ ذلك محرّم وإلاّ كره ذلك إذا خرج عن الأمر الشّرعيّ‏.‏

ح - الشّرب من فم السّقاء‏:‏

10 - يكره الشّرب من فم السّقاء، وكذا اختناث الأسقية، لحديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما -‏:‏ «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الشّرب من في السّقاء»‏.‏

وحديث أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه -‏:‏ «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية» يعني أن تكسر أفواهها فيشرب منها‏.‏

ويرى جمهور الفقهاء‏:‏ أنّ الكراهة هنا للتّنزيه لا للتّحريم‏.‏ ونقل النّوويّ الاتّفاق على هذا‏.‏ وهناك أحاديث تدلّ على جواز الشّرب من فم السّقاء‏.‏

قال العراقيّ في الجمع بين الأحاديث الّتي تدلّ على الجواز وبين الأحاديث الّتي تدلّ على المنع‏:‏ إنّه لو فرّق بين ما يكون لعذر كأن تكون القربة معلّقةً ولم يجد المحتاج إلى الشّرب إناءً متيسّراً ولم يتمكّن من التّناول بكفّه فلا كراهة حينئذ، وعلى هذا تحمل الأحاديث الّتي تدلّ على جواز الشّرب من في السّقاء، وبين ما يكون لغير عذر فتحمل عليه أحاديث النّهي‏.‏

وقيل‏:‏ لم يرد حديث من الأحاديث الّتي تدلّ على الجواز إلاّ بفعله صلى الله عليه وسلم وأحاديث النّهي كلّها من قوله فهي أرجح‏.‏

ووجه الحكمة في النّهي ما قاله البعض من أنّه لا يؤمن من دخول شيء من الهوامّ مع الماء في جوف السّقاء، فيدخل فم الشّارب ولا يدري‏.‏ فعلى هذا لو ملأ السّقاء وهو يشاهد الماء الّذي يدخل فيه ثمّ ربطه ربطاً محكماً، ثمّ لمّا أراد أن يشرب حلّه فشرب منه لا يتناوله النّهي، وقيل ما ورد من حديث عائشة - رضي الله عنها - بلفظ‏:‏ «نهى أن يشرب من في السّقاء لأنّ ذلك ينتنه» وهذا عامّ‏.‏ وقيل‏:‏ إنّ الّذي يشرب من في السّقاء قد يغلبه الماء فينصبّ منه أكثر من حاجته فلا يأمن أن يشرق به أو تبتلّ ثيابه‏.‏

ط - الشّرب من ثلمة الإناء‏:‏

11 - يكره الشّرب من ثلمة الإناء لحديث أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه -‏:‏ «نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الشّرب من ثلمة القدح وأن ينفخ في الشّراب»‏.‏

قال الخطّابيّ‏:‏ إنّما نهى عن الشّرب من ثلمة القدح لأنّه إذا شرب منها تصبّب الماء، وسال قطره على وجهه وثوبه، لأنّ الثّلمة لا تتماسك عليها شفة الشّارب، كما تتماسك على الموضع الصّحيح من الكوز والقدح‏.‏

ي - الحمد عقب الشّرب‏:‏

12 - يسنّ للشّارب أن يحمد اللّه عقب الشّرب‏.‏ لما ورد أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إنّ اللّه ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشّربة فيحمده عليها»‏.‏

وروى أبو داود من حديث أبي أيّوب «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل أو شرب قال‏:‏ الحمد للّه الّذي أطعم وسقى وسوّغه وجعل له مخرجاً»‏.‏

وعن أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال‏:‏ الحمد للّه الّذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين»‏.‏

قال زكريّا الأنصاريّ‏:‏ ‏"‏ يندب أن يشرب في ثلاثة أنفاس، بالتّسمية في أوائلها وبالحمد في أواخرها ‏"‏‏.‏

ك - التّيامن في مناولة الشّراب‏:‏

13 - يسنّ التّيامن في مناولة الشّراب والطّعام وما جرى مجراهما‏.‏

قال الرّحيبانيّ‏:‏ إذا شرب لبناً أو غيره سنّ أن يناول الأيمن ولو صغيراً أو مفضولاً، ويتوجّه أن يستأذنه في مناولته الأكبر فإن لم يأذن ناوله له‏.‏

فقد ورد من حديث أنس بن مالك «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أتي بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابيّ وعن شماله أبو بكر، فشرب ثمّ أعطى الأعرابيّ، وقال‏:‏ الأيمن الأيمن»‏.‏

ومن حديث سهل بن سعد الأنصاريّ‏:‏ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام‏:‏ أتأذن لي أن أعطي هؤلاء‏؟‏ فقال‏:‏ واللّه يا رسول اللّه، لا أؤثر بنصيبي منك أحداً‏.‏ قال‏:‏ فتلّه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في يده»‏.‏

قال الشّيخ أبو القاسم‏:‏ وهذا يقتضي أنّ حكم التّيامن في المناولة آكد من حكم السّنّ‏.‏

الشّرب في آنية الذّهب والفضّة

14 - يرى جمهور الفقهاء تحريم الأكل والشّرب في إناء الذّهب وإناء الفضّة، ويستوي في التّحريم الرّجل والمرأة‏.‏

ونقل ابن المنذر الإجماع عليه، إلاّ ما نقل عن التّابعيّ معاوية بن قرّة، ونقل عن نصّ الشّافعيّ‏:‏ في سماع حرملة أنّ النّهي فيه للتّنزيه لأنّ فيه تشبّهاً بالأعاجم‏.‏

شرب الجنب

15 - يرى الشّافعيّة والحنابلة أنّه يسنّ لمن عليه غسل أن يتوضّأ لإرادة أكل أو شرب لحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت‏:‏ «رخّص رسول اللّه صلى الله عليه وسلم للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أن يتوضّأ وضوءه للصّلاة»‏.‏

قال أبو عليّ الطّبريّ‏:‏ ولا يستحبّ ذلك للحائض لأنّ الوضوء لا يؤثّر في حدثها، ويؤثّر في حدث الجنابة، لأنّه يخفّفه ويزيله عن أعضاء الوضوء‏.‏

ويؤخذ من عبارات المالكيّة‏:‏ أنّ الجنب لم يؤمر بالوضوء للأكل والشّرب‏.‏

قال مالك‏:‏ لا يتوضّأ إلاّ من أراد أن ينام فقط - وهو جنب - وأمّا من أراد أن يطعم أو يعاود الجماع فلم يؤمر بالوضوء‏.‏

الشّرب في الصّلاة

16 - اتّفق الفقهاء على أنّ المصلّي ممنوع من الشّرب، وأنّه إذا شرب في صلاة الفرض عامداً لزمه الإعادة‏.‏

واختلفوا فيما إذا كان ساهياً‏:‏ فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا تبطل صلاته ويشرع له سجود السّهو‏.‏ وقيّد الشّافعيّة والحنابلة عدم بطلان الصّلاة في هذه الحالة بما إذا كان الشّرب يسيراً، أمّا كثير الشّرب فيبطل الصّلاة مطلقاً‏.‏

ويرى الحنفيّة والأوزاعيّ أنّ الصّلاة يفسدها الشّرب مطلقاً ولا فرق بين العمد والنّسيان، لأنّه فعل مبطل من غير جنس الصّلاة، فاستوى عمده وسهوه كالعمل الكثير‏.‏

وأمّا التّطوّع‏:‏ فيبطله الشّرب المتعمّد عند أكثر الفقهاء، لأنّ ما أبطل الفرض أبطل التّطوّع كسائر مبطلاته‏.‏

وعن أحمد رواية أنّه لا يبطله‏.‏ ويروى عن ابن الزّبير وسعيد بن جبير أنّهما شربا في التّطوّع‏.‏ وعن طاوس أنّه لا بأس به، وكذلك قال إسحاق،لأنّه عمل يسير فأشبه غير الأكل‏.‏ فأمّا إن كثر فلا خلاف في أنّه يفسدها، لأنّ غير الأكل من الأعمال يفسد إذا كثر، فالأكل والشّرب أولى‏.‏ وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ صلاة‏)‏‏.‏

شرب الصّائم

17 - يحرم على الصّائم الأكل والشّرب لقوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ‏}‏‏.‏

فإن شرب وهو ذاكر للصّوم عالم بتحريمه مختار بطل صومه، لما روى لقيط بن صبرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «أسبغ الوضوء، وخلّل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلاّ أن تكون صائماً»‏.‏ فدلّ على أنّه إذا وصل إلى الدّماغ شيء بطل صومه‏.‏

ونقل ابن المنذر الإجماع على تحريم الطّعام والشّراب على الصّائم‏.‏وللتّفصيل ‏(‏ر‏:‏ صوم‏)‏‏.‏

الشّرب من زمزم

18 - يستحبّ للحاجّ والمعتمر أن يشرب من ماء زمزم وأن يتضلّع منه‏.‏

وينظر التّفصيل في بحث زمزم من الموسوعة ‏(‏ج / 24 ف /3‏)‏‏.‏

شِرْب

التّعريف

1 - الشّرب في اللّغة‏:‏ الحظّ والنّصيب من الماء‏.‏ قال تعالى‏:‏ حكايةً عن نبيّه صالح عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏{‏قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ‏}‏‏.‏

ويطلق على الماء عينه، وعلى النّوبة‏.‏ وهي الوقت المحدّد لاستحقاق الشّرب، وعلى المورد والجمع أشراب‏.‏

وفي الاصطلاح هو‏:‏ نوبة الانتفاع، أو زمن الانتفاع بالشّرب لسقي الشّجر أو الزّرع‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الشّفة‏:‏

2 - والمراد منه ما يحتاجه الإنسان من الماء لدفع عطش في نفسه أو للطّبخ أو الوضوء والغسل، وما يحتاج إليه لسقي المواشي والدّوابّ لدفع العطش ونحوه ممّا يناسبها‏.‏

الحكم الإجماليّ

أنواع المياه بالنّسبة لحقّي الشّرب والشّفة

تنقسم المياه بالنّظر إلى تملّكها، والانتفاع بها إلى أربعة أقسام‏:‏

القسم الأوّل‏:‏ الماء العامّ

3 - وهو النّابع في موضع لا يختصّ بأحد ولا صنع للآدميّين في إنباطه، وإجرائه كالأنهار الكبيرة كالنّيل، والفرات ودجلة وسائر أودية العالم والعيون في الجبال، فهذا النّوع حقّ للنّاس جميعًا وليس لأحد ملك في الماء ولا في المجرى‏.‏

ولكلّ واحد حقّ الانتفاع به بالشّفة، والشّرب، وله شقّ الجداول من الأنهار ونحوها، ونصب آلات السّقي عليها لإجراء المياه لأرضه، وغير ذلك من وسائل الانتفاع بالماء‏.‏ وليس لحاكم ولا لغيره منع أحد من الانتفاع به بكلّ الوجوه، إن لم يترتّب على فعله ضرر على النّهر أو الجماعة‏.‏ لخبر «المسلمون شركاء في ثلاثة في الكلأ والماء والنّار»‏.‏

فإن أضرّ فعله بالعاملة فللحاكم إزالة القدر الضّارّ من فعله، لأنّه حقّ لعامّة المسلمين، وإباحة التّصرّف في حقّهم مشروطة بانتفاء الضّرر لحديث «لا ضرر ولا ضرار» وللعامّة أيضاً منعه من الإضرار بحقّهم‏.‏ وإن حضر اثنان فأكثر أخذ كلّ واحد ما شاء‏.‏

وإن قلّ الماء أو ضاق المشرع قدّم السّابق، فإن جاءا معاً أقرع بينهما، وإن احتاج بعضهم إلى الماء لسقي الأرض، والبعض الآخر للشّرب لدفع العطش عن نفسه أو دوابّه قدّم المحتاج للشّرب‏.‏

قسمة المياه العامّة

4 - إذا أراد قوم سقي أراضيهم من مثل هذه المياه، فإن كان النّهر عظيماً، والمشرع واسعاً يفي بالجميع سقى من شاء متى شاء، ويأخذ منه ما شاء‏.‏

وإن كان الماء قليلاً أو ضاق المشرع، سقى الأوّل أرضه ثمّ يرسله إلى الثّاني، ثمّ الثّاني إلى الثّالث، وهكذا‏.‏

هذا إذا كان الأوّل قد تقدّم في الإحياء على الأسفل، أو تساويا في الإحياء، أمّا إن تقدّم الأسفل فيقدّم هو‏.‏

فإن لم يفضل عن الأوّل شيء أو عن الثّاني أو عن من يليهم فلا شيء للباقين، لأنّه ليس لهم إلاّ ما فضل فلم يفضل شيء كالعصبة في الميراث‏.‏

والأصل في ذلك ما رواه عبد اللّه بن الزّبير - رضي الله عنهما - قال‏:‏ «إنّ رجلاً من الأنصار خاصم الزّبير في شراج الحرّة الّتي يسقون بها إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ اسق يا زبير ثمّ أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاريّ وقال‏:‏ يا رسول اللّه أن كان ابن عمّتك‏؟‏ فتلوّن وجه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثمّ قال‏:‏ يا زبير اسق ثمّ احبس الماء حتّى يرجع إلى الجدر وقال الزّبير فواللّه إنّي لأحسب هذه الآية نزلت فيه ‏{‏فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ‏}‏»‏.‏ وقال عبد اللّه بن الزّبير‏:‏ نظرنا في قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ثمّ احبس الماء حتّى يبلغ إلى الجدر» فكان ذلك إلى الكعبين‏.‏

5- وإن استوى اثنان في القرب من أوّل النّهر اقتسما الماء بينهما إن أمكن، وإن لم يمكن أقرع بينهما فيقدّم من تقع له القرعة فإن كان لا يفضل عن أحدهما سقى من تقع له القرعة بقدر حقّه من الماء ثمّ تركه للآخر، وليس له أن يستهلك جميع الماء، لأنّ الآخر يساويه في استحقاق الماء، وإنّما القرعة للتّقديم في الاستيفاء أوّلاً‏.‏ لا في أصل الحقّ بخلاف الأعلى مع الأسفل‏.‏

فإن كانت أرض أحدهما أكثر من أرض الآخر قسم الماء بينهما على قدر الأرض، لأنّ الزّائد من أرض أحدهما مساو في القرب، فاستحقّ جزءاً من الماء كما لو كان لشخص ثالث‏.‏

6- وإن كان لجماعة حقّ الشّرب في نهر غير مملوك أو سيل وأحيا غيرهم أرضاً مواتاً أقرب إلى رأس النّهر من أرضهم، لم يكن له أن يسقي قبلهم لأنّهم أسبق منه إلى النّهر، ولأنّ من ملك أرضاً ملكها بحقوقها ومرافقها، والماء أهمّ المرافق، فلا يملك إبطال حقوقها، والشّرب من حقوقها‏.‏

كري الأنهار العامّة

7 - الكري‏:‏ إخراج الطّين من أرض النّهر وحفره وإصلاح ضفّتيه‏:‏ ومؤنة الكري وجميع ما يحتاج إليه من الإصلاح من بيت مال المسلمين، لأنّه للمصلحة العامّة‏.‏ فإن لم يكن في بيت المال شيء، أجبر الحاكم النّاس على إصلاح النّهر إن امتنعوا عنه دفعاً للضّرر وتحقيقًا للمصلحة العامّة‏.‏

القسم الثّاني‏:‏ المياه الجارية في أنهار وسواقي مملوكة

8 - من يحفر نهراً يدخل فيه الماء من النّهر العظيم أو من نهر متفرّع منه، فالماء في هذا باق على إباحته، ولكن مالك النّهر أحقّ به كالسّيل يدخل في ملكه، ولغيره حقّ الشّرب منه والاستعمال، وسقي الدّوابّ لا سقي أرضه وشجره، فإن أبى صاحبه كان للمضطرّ أخذه جبراً، وله إن منعه أن يقاتله ولو بالسّلاح لأنّ الماء في النّهر غير مملوك بشرط ألاّ يجد المضطرّ ماءً مباحاً‏.‏ لأثر عمر - رضي الله عنه - ‏"‏ روى أنّ قوماً وردوا ماءً فسألوا أهله أن يدلّوهم على البئر، فلم يدلّوهم عليها فقالوا‏:‏ إنّ أعناقنا وأعناق مطايانا قد كادت تتقطّع من العطش، فدلّونا على البئر، وأعطونا دلواً نستقي، فلم يفعلوا فذكر ذلك - لعمر رضي الله عنه - فقال‏:‏ هلاّ وضعتم السّلاح فيهم‏.‏

ويجوز لغير مالك النّهر أن يحفر فوق نهره نهراً إن لم يضيّق عليه، فإن ضيّق، فليس له ذلك‏.‏

فإن اشترك جماعة في الحفر اشتركوا في الملك على قدر عملهم، فإن اشترطوا أن يكون النّهر بينهم على قدر ملكهم من الأرض يكون عمل كلّ واحد على قدر أرضه، فإن زاد أحدهم على قدر أرضه متطوّعاً فلا شيء له على الباقين‏.‏ فإن أكره أو شرطوا له عوضاً رجع عليهم بأجرة ما زاد، وليس للأعلى حبس الماء عن الأسفل‏.‏

وإذا اقتسموا الماء بالأيّام والسّاعات جاز، لأنّه حقّهم لا يخرج عنهم، وإن تشاحّوا في قسمته قسم الحاكم بينهم على قدر أملاكهم لأنّ كلّ واحد منهم يملك من النّهر بقدر ذلك، وذلك بأن ينصب خشبةً في عرض النّهر فيها ثقوب متساوية أو متفاوتة على قدر حصصهم‏.‏ وليس لأحدهم التّصرّف في النّهر المشترك بينهم بتوسيع فم النّهر أو تضييقه ولا بناء قنطرة عليه إلاّ برضاهم‏.‏ وعمارته عليهم بحسب الملك لاشتراكهم في الملك والانتفاع، ولهم أن يقتسموا مهايأةً بأن يسقي كلّ واحد يومًا أو بعضهم يوماً فأكثر بحسب حصّته، ولكلّ منهم الرّجوع عن المهايأة متى شاء، ولهم أن يقتسموا بكلّ ما يتوصّل به لإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه من الماء‏.‏

القسم الثّالث‏:‏ أن يكون المنبع مملوكاً

9 - كأن يحفر بئراً في ملكه أو في موات للتّملّك، أو انفجرت في ملكه عين‏.‏ فإنّه يملك الماء لأنّه نماء ملكه كالثّمرة واللّبن وإلى هذا ذهب المالكيّة والشّافعيّة، ولكن يجب عليه بذل الفاضل من الماء عن شربه لشرب غيره، وبذل ما فضل عن ماشيته لماشية غيره لحديث‏:‏ «المسلمون شركاء في ثلاث‏:‏ في الكلأ والماء والنّار» بشرط أن يكون هناك كلأ ترعى الماشية منه، ولا يجد ماءً مباحاً أو مملوكاً يبذله صاحبه له مجّاناً‏.‏

وليس له أخذ العوض عنه، للنّهي عن بيع فضل الماء، ولا يجب بذل فضل الماء لزرعه‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ له منعه من غيره، وبيعه، وهبته، والتّصدّق به، إلاّ من خيف عليه هلاك أو ضرر شديد، ولا ثمن معه حين الخوف عليه، وإن كان غنيّاً في بلده، فليس للمالك في هذه الحالة منعه، ولا بيعه، بل يجب عليه دفعه له مجّاناً، ولا يرجع عليه بعد ذلك ولو كان غنيّاً في بلده‏.‏ أمّا إذا كان معه مال فلا يبذل له إلاّ بالثّمن‏.‏ وكذا يجب على مالك الماء بذل الفاضل من الماء لزرع جاره، بشرط أن يظنّ هلاك الزّرع، وأن يكون الماء فاضلاً عن زرع مالك الماء، وأن يزرع الجار زرعه على ماء له، وأن يشرع في إصلاح بئره‏.‏

فإن لم يفضل عن زرعه شيء، فلا يجب عليه بذل الماء لغيره، وكذا إن لم يزرع الجار زرعه على ماء لمخاطرته وتعريضه زرعه للهلاك، وكذا إن كان قد زرع على ماء فعطب ولم يشرع في إصلاحه‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إنّ ماء الآبار، والحياض، والعيون لا يملك بل هو مباح في نفسه، سواء حفر في أرض مملوكة أو أرض مباحة، ولكن لحافر البئر في ملكه، أو في موات للتّملّك، ولمن نبعت العين في أرض يملكها حقّ الاختصاص، لأنّ الماء في الأصل خلق مباحاً، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «المسلمون شركاء في ثلاث‏:‏ الكلأ والماء والنّار» والشّركة تقتضي الإباحة لجميع الشّركاء إلاّ إذا حصل في إناء وأحرزه به، فيصير مملوكاً، لأنّه استولى عليه وهو غير مملوك لأحد كسائر المباحات غير المملوكة، وإذا لم يوجد ذلك بقي على أصل الإباحة الثّابتة بالشّرع، فلا يجوز بيعه لأنّ البيع لا يصحّ في مال غير مملوك‏.‏ وليس له أن يمنع النّاس من الشّرب بأنفسهم وسقي دوابّهم منه لأنّه مباح‏.‏

وقد روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أنّه نهى أن يمنع نقع البئر» وهو فضل مائها الّذي يخرج منها، فللنّاس أن يشربوا منها ويسقوا منها دوابّهم، ولكن إذا كان في أرض مملوكة فلصاحبها أن يمنع من الدّخول في ملكه، لأنّ في الدّخول في ملكه إضراراً به من غير ضرورة وله أن يدفع الضّرر عن نفسه‏.‏ وإن اضطرّوا إليه بأن لم يجدوا ماءً غيره وخافوا الهلاك، فإنّه يجبر على أن يأذن لهم في الدّخول في ملكه أو يخرج الماء لهم، ولهم أن يقاتلوه على ذلك بالسّلاح ليأخذوه وإلى هذا ذهب الحنابلة‏.‏

حفر بئر للارتفاق لا للتّملّك

10 - إن حفر بئراً للارتفاق في موات اختصّ به وبمائه كالمالك ما دام مقيماً عليه، لخبر

«من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له» ولكنّه لا يملك منع ما فضل منه عن المحتاج لشرب وسقي دوابّ، ومواشي، وهذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء‏.‏ فإن ارتحل عنها بطل اختصاصه‏.‏ فإن عاد مرّةً أخرى فهو كغيره من النّاس ولا يعود له الاختصاص‏.‏

وإن حفرها للمارّة فهو فيها كأحدهم‏.‏

وإن حفرها بلا قصد شيء ممّا ذكر فكذلك‏.‏

والقناة المملوكة كالبئر فيما تقدّم من أحكام‏.‏

القسم الرّابع‏:‏ الماء المحرز بالأواني والظّروف

11 - وهذا مملوك لمحرزه باتّفاق الفقهاء ولا حقّ لأحد فيه، لأنّ الماء وإن كان مباحاً في الأصل فإنّ المباح يملك بالاستيلاء إذا لم يكن مملوكاً للغير كالحطب والحشيش والصّيد فيجوز بيعه، وهبته، والتّصدّق به‏.‏ وقد جرت العادة في جميع أمصار المسلمين وفي سائر الأعصار على بيع السّقّائين المياه المحرزة في الظّروف من غير نكير، فلا يحلّ لأحد أخذه بغير إذن محرزه، إلاّ أن يخاف الهلاك، وعنده فضل عن حاجته فيجب عليه بذله له، فإن امتنع أن يقدّمه له فله أن يقاتله عليه‏.‏

شرط وجوب الانتفاع بالأنهار الخاصّة ونحوها

12 - يجب على المنتفع بالأنهار والسّوّاقي والآبار الخاصّة ألاّ يضرّ المالك في ملكه، بأن يحافظ على حافّة النّهر والسّاقيّة، والبئر من التّخريب، فإن لم يفعل ذلك فلصاحب المجرى المنع منه، إذ لا ضرر ولا ضرار‏.‏

رفع الدّعوى للشّرب

13 - من كان له شرب في ماء فله رفع الدّعوى على من حال بينه وبين استيفاء حقّه، لأنّ الشّرب مرغوب فيه منتفع به ويمكن استحقاقه بغير أرض بالإرث والوصيّة، ولأنّه قد ابتاع الأرض دون حقّ الشّرب، فيبقى الشّرب وحده، فإن استولى عليه غيره كان له أن يدفع الظّلم عن نفسه بإثبات حقّه بالبيّنة، صرّح بهذا الحنفيّة وهم لا يجيزون التّصرّف في الشّرب بالبيع والإجارة وغيرهما من العقود وغير الحنفيّة أولى بإجازة رفع الدّعوى لكونهم يجيزون بيع حقّ الشّرب‏.‏ كما سيأتي‏.‏

التّصرّف في الشّرب

14 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى جواز التّصرّف في الشّرب بالبيع والإجارة والصّلح وغيرها من أنواع التّصرّف كالهبة، والصّدقة‏.‏

فإن صالح رجلاً على موضع قناة في أرضه يجري فيها ماء وبيَّنا موضعها، وعرضها وطولها جاز، لأنّ ذلك بيع موضع من أرضه، ولا حاجة إلى بيان عمقه لأنّه إذا ملك الموضع كان له إلى تخومه، وإن صالح على إجراء الماء في ساقية من أرض ربّ الأرض مع بقاء ملكه عليها، جاز وهو إجارة للأرض فيشترط تقدير المدّة، لأنّ هذا شأن الإجارة‏.‏ أمّا الشّرب بمعنى الماء فقد جوّز المالكيّة بيعه مطلقاً فله أن يشتري شرب يوم أو يومين بغير أصل الماء‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن اشترى شرب يوم أو يومين من نهر رجل أو صالح عليه وقدّر بشيء يعلم به‏.‏ قال القاضي‏:‏ لا يجوز لأنّ الماء غير مملوك، فلا يجوز بيعه ولا الصّلح عليه لأنّه مجهول‏.‏ وإن صالحه على سهم من العين أو النّهر كالرّبع والثّلث جاز، وكان بيعاً للقرار والماء تابع له‏.‏ قال ذلك القاضي‏.‏ وقال ابن قدامة‏:‏ يحتمل أن يجوز الصّلح على الشّرب من نهره أو قناته، لأنّ الحاجة تدعو إليه‏.‏ والماء ممّا يجوز العوض عنه في الجملة بدليل ما لو أخذه في إناء أو قربة يجوز بيعه، ويجوز الصّلح على ما لا يجوز بيعه كالقصاص‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ لا يجوز بيع الماء إن وجب بذله‏.‏ وإن لم يجب بذله بأن وجد محتاج الشّرب ماءً آخر فله بيع الماء، مقدّراً بكيل أو وزن، ولا يجوز مقدّراً بريّ الماشية والزّرع‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يجوز بيع الشّرب منفرداً بأن باع شرب يوم أو أكثر لأنّه عبارة عن حقّ الشّرب، والسّقي، والحقوق لا تحتمل الإفراد بالبيع، والشّراء، ولو اشترى الشّرب بدار وقبضها لزمه ردّ الدّار لأنّها مقبوضة بحكم عقد فاسد، فكان واجب الرّدّ، كسائر العقود الفاسدة، ولا شيء على البائع بما انتفع به من الشّرب، وإن باع الشّرب مع الأرض جاز تبعاً للأرض، لجواز كون الشّيء تبعاً لغيره وإن لم تجعله التّبعيّة مقصوداً بذاته، ولا يجوز جعله أجرةً لدار، ولا إجارته منفرداً لأنّ الحقوق لا تحتمل الإجارة كما لا تحتمل البيع‏.‏

وإن باع الأرض ولم يذكر الشّرب لم يدخل في البيع‏.‏ وإن أجّرها ولم يذكر الشّرب لم يدخل قياساً ويدخل استحساناً لوجود الذّكر دلالةً، لأنّ الإجارة تمليك المنفعة بعوض ولا يمكن الانتفاع بالأرض بدون الشّرب فيكون مذكوراً بذكر الأرض دلالةً بخلاف البيع، لأنّ البيع تمليك العين، والعين تحتمل الملك بدون المنفعة، ولا تجوز هبة الشّرب والتّصدّق به، لأنّ ذلك كلّه تمليك والحقوق المفردة لا تحتمل التّمليك، ولا يجوز الصّلح لأنّ الصّلح في معنى البيع ولا يصلح مهراً ولا بدل خلع‏.‏

النّزاع في استحقاق الشّرب

15 - قال الشّافعيّة‏:‏ إذا وجدت أرض لم يكن سقيها من النّهر العامّ، ووجدت ساقية لها من النّهر، ولم يوجد لها شرب من موضع آخر، حكمنا عند التّنازع بأنّ لها شرباً منه‏.‏ ولو تنازع الشّركاء في النّهر في قدر أنصبائهم يجعل على قدر الأرضين لأنّ الظّاهر أنّ الشّركة بحسب الملك‏.‏

نهاية الجزء الخامس والعشرون